فيديريكو فيلليني : جنون السينما

كان المخرج السينمائيّ الإيطاليّ فيديريكو فيلليني من أكثر السينمائيّين الأوروبيّين قرباً منّا نحن أبناء الثقافة ‏العربيّة من عشّاق السينما والمهتمُين بها؛ فهو بمزاجه المتوسّطيّ يحبّ الألوان الصريحة القويّة والصور الّتي ‏يزخر بالحركة والحيويّة والحياة، كما يؤمن بالسحر والروحانيّات والوجود اللامرئيّ للأشياء، ولديه شعور ‏راسخٌ بأنّنا لسنا وحدنا في هذا العالم، ويرى أنّ لقوانين الصدفة منطقها الخاصّ، لكن من دون أن ينحو نحو ‏الفوضويّة فكراً.‏ ‎

وهذا الكتاب هو الكتاب الأوّل الشامل في المكتبة العربيّة عن مسيرة فيلليني وأعماله، وهو الذي يحتفل العالم ‏هذا العام 2020 بمرور مئة عام على مولده، ويتضمّن تحليلاً تفصيلياً شاملاً لكلّ ما أخرجه من أفلام روائيّة ‏طويلة وقصيرة وتسجيليّة عبر أربعين عاماً، ويناقش مؤلّف الكتاب أفلام فيلليني منذ علاقته الأولى بحركة ‏الواقعيّة الجديدة والجدل الّذي أثير حول “خيانته” لتلك الحركة، واتّجاهه نحو “سينما التعبير الذاتيّ”، مبتعداً ‏عن فكرة تصوير الإنسان في سياق الطبقة الإجتماعيّة التي ينتمي إليها، مفضّلاً التركيز على الشخصيّات ‏الفرديّة وعلاقة الفرد بالعالم في عذابه وبحثه عن “الخلاص”.‏ ‎

ظلّ فيلليني أشهر وأهمّ أبناء جيله من المخرجين الإيطاليّين جميعاً، داخل إيطاليا وخارجها، بسبب نجاحه في ‏خلق أسلوب خلاب ساحر يعتمد على التداعي الحرّ، وعلى إستدعاء ذكريات الماضي من الطفولة وربطها ‏بالحاضر مستنداً إلى أرضيّة قويّة من التحليل النفسيّ، وقد اعتبر بالتالي أهمّ مخرج “حداثيّ” في السينما ‏الإيطاليّة بعد الحرب العالميّة الثانية، إذ كان يخلق لغة سينمائيّة جديدة موازية للأدب الجديد والشعر الحرّ، ‏متخلياً عن السرد التقليديّ والبناء المحكم الذي يتصاعد إلى الذروة ثمّ يختتم بحلّ العقدة متّجهاً إلى تفكيك ‏الفكرة وإعادة تركيبها بحيث لا تخضع للمنطق البسيط المباشر التقليديّ، بل لما يشعر به للفنّان الّذي يقوم ‏بعمليّتي التفكيك والتركيب.‏ ‎

ويحلل المؤلّف، في كتابه هذا، سينما فيلليني من خلال الأعمدة السبعة الّتي كان يستند إليها في كلّ أفلامه، ‏وهي: (الأحلام، الكاريكاتير، التحليل النفسيّ، السيرك، المدينة، الفاشيّة، والعلاقة مع المرأة)؛ ويسلّط الضوء ‏على حياة فيلليني، وتكوينه، وعلاقته الوثيقة بعالم الرسم والكاريكاتير، وأهمّ المحطات الّتي قطعها في مسيرته ‏الفنّيّة، والمراحل المختلفة الّتي صنعت منه أحد أساطير السينما في العالم